مسألة صلب المسيح

مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والإفتراء أحمد ديدات ترجمة : علي الجوهري مقدمَة المترجم الحمد لله ، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله ، محمد بن عبد الله ، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ، ليبلغ للناس ما أنزل إليه ربه ، ليخرجهم من الظلمات إللى النور ، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء . وبعد : ليس هذا الكتاب عن " مسألة صلب المسيح عليه السلام : للعلامة أحمد ديدات ، الذي نشرف بتقديم ترجمته العربية بين يدي القارئ الكريم بدعاً بين كتب تعرض بالدراسة لمرحلة من مراحل حياة السيد المسيح عليه السلام . هناك على سبيل المثال لا الحصر : كتب لمؤلفين أجانب مثل : 1- The Crucified God by : Jurgen Moltmann . (1) الإله المصلوب ، تأليف : جورجن مولتمان . 2- Was Resurrection A Hoax ? by : Garner Ted Armstrong . (2) هل كانت قيامة المسيح خدعة ؟ تأليف : جارنر تد آرمسترونج . 3- The Resurrection Factor , by : Billy Graham (3) مسألة قيام المسيح ، تأليف : بيلي جراهام . 4- Life of Christ , by : Dean Farrar . (4) حياة المسيح ، تأليف : دين فارار . 5- The Day Christ Died , by : Jim Bishop . (5) يوم مات المسيح ، تأليف : جيم بيشوب . وغير ذلك من مؤلفاتهم كثير يفوق الحصر ، وهنالك أيضا أفلام السينما ، أذكر منها على سبيل المثال فيلم كوفاديس أو " آلام المسيح " . وأذكر أنه أيام وجودي بمستشفى الإرسالية الأمريكية بطنطا ولم يكن عمري يتعدى عشر سنوات ، لإجراء عملية جراحية – أن أخذوني ذات صباح للصلاة ، وبعدما شاهدت " فيلماً " عن صلب المسيح عليه السلام . وتعجبت أن كان اسمه عندهم في الفيلم كما في الصلاة هو " يسوع " ، وكان الدم الأحمر القاني الذي ينزف منه "على الشاشة " يكفي لموت عشرة أشخاص . والخدع السينمائية لا تعجز عن هذا بتاتا . والمؤلفات العربية في هذا الموضوع أيضا كثيرة كثيرة . ولكن هذا الكتاب الذي يشرفني نقله إلى العربية للعلامة أحمد ديدات عن " مسألة صلب المسيح " إنما هو جديد جديد .. جديد في أسلوبه الواضح ، وجديد في منهجه العلمي الذي يعتمد على " النصوص " ويعتمد على الوثائق . إنه لا يتحدث فيحتمل حديثه الصدق أو الكذب ، ولكنه يدع النصوص والوثائق تتحدث ، ولك أن تصدقها ، ولك أن تكذبها حسب قوة الإقناع بها . ولقد أوصيت الناشر أن يتعهد بطبع النص الإنجليزي كما جرى به قلم الداعية الكبير أحمد ديدات ، في مقابل النص العربي ، لثلاثة أسباب : الأول : لإيضاح أمانة ودقة الترجمة إلى العربية ، وإلا فإن النص الإنجليزي تحت تصرف القارئ الكريم . الثاني : وجود كثير من الوثائق التي قام المؤلف نفسه بتصويرها فوتوغرافيا واكتفينا بتقديم ملخص لمحتواها . الثالث : كتابات العلامة أحمد ديدات ترقى بذاتها إلى أن تكون وثائق في موضوعها من وجهة نظرنا . هي إذن وجهة نظر جديدة " في الموضوع " أرجو من الله العلي القدير أن تتسع لها الصدور ، وأن تطمئن إليها القلوب ، وأن تهتدي إلى صوابها العقول . وهناك دائما وأبدا " الفكرة " ، وهناك دائما وأبدا " نقيض الفكرة " ، وهناك دائما وأبدا " ما يتكون نتيجة لتفاعل الفكرة مع نقيضها " . هناك الحرية التي تدع المجال متسعا لكل الأفكار أمام كل الأحرار . والله وليُّ التوفيق ، نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم ، صراط المتقين الأبرار ؟! . المترجم علي الجوهري طنطا في 8 / 2 / 1989 م . الفصل الأول السَّبَبُ الوَحيْد للرَّوَاج " بين الخالدين من الرجال " منذ سنوات قليلة نشر المؤرخ وعالم الرياضيات الأمريكي " مايكل م . هارت " كتاباً بعنوان " الخالدون مئة هم القمم الشاهقة في التاريخ " وفي كتابه ذاك يذكر المؤلف أسماء مئة من الرجال ، هم الأكثر تأثيراً في التاريخ ، ويقدم لنا أسبابه بالنسبة للترتيب تبعاً للمكانة التي يحتلها كل منهم في القائمة ( أي أنه يرتبهم حسب تأثير وأهمية كل منهم على تاريخ البشر وحياتهم ) . ومن عجب – وهو على الأرجح مسيحي – أنه يذكر محمداً ، نبي الإسلام ، عليه السلام ، على رأس المئة ولأسباب قوية . ولأسباب قوية أيضاً يضع المؤلف عيسى عليه السلام وهو الذي يعتبر سيد البشر ومخلص البشرية من آثامها في نظر كل الأمريكيين من مواطنيه تقريباً ، في المرتبة الثالثة . المؤسس الحقيقي للمسيحية : ورغم أنه يوجد الآن 1200 مليون مسيحي في العالم ، وأكثر من 1000 مليون مسلم وفق الإحصاء الرسمي ، فإن البروفيسور هارت يقسِّم فضل تأسيس المسيحية بين كلٍّ من القديس بولس ، وبين عيسى عليه السلام ، وهو يعزو الفضل الأكبر لبولس . ومن هنا كانت المرتبة الثالثة لعيسى عليه السلام . وكلُّ مسيحي يعتدُّ بديانته يعتبر أن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو القديس بولس ، وليس عيسى عليه السلام . سبب الاختلاف : وعلى أي حال ، فلو كان هنالك تمايز بين مسلم ومسيحي فيما يتصل بالتيقن أو العقيدة أو الأخلاق أو الفضيلة ، فإن سبب هذا التمايز يمكن إرجاعه إلى قول أنشاه بولس ، يمكن العثور عليه في رسائله إلى أهل كورنثوس ، أو إلى أهل فيلبى ، أو إلى أهل غلاطية ، أو إلى أهل تسالونيكي .. إلخ ، كما ( ) وردت بالإنجيل . وبعكس تعاليم السيد المسيح من أن الخلاص يتحقق فحسب عند التحقق بما ورد بالوصايا ( إنجيل متى 19 : 16 - 17 ) فإن الخلاص عند بولس يتمثل في عملية الصلب ( الرسالة إلى أهل كولوسى 2 : 14 ) وهو يذهب إلى أن الخلاص يمكن أن يتم بموت وبعث عيسى المسيح إذ يقول : " وإن لم يكن المسيح قد " قام " فباطله كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم " ( الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 15 : 14 ) . أهم رجال المسيحية : وفي نظر القديس بولس فإن المسيحية لا يمكن أن تقدم للبشر ما هو أفضل من دم وآلام سفك دم يسوع . ولو لم يكن قد مات وقام من بين الموتى لما كان ثمة خلاص للبشرية في المسيحية ! " لأن كل أعمال بِرِّنا تكون كثوب خرِقة " . ( أشعياء 64 : 6 ) . انتفاء الصلب نفي للمسيحية: " إن وفاة عيسى على الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية . إن كل النظريات المسيحية عن الله ، وعن الخليقة ، وعن الخطيئة ، وعن الموت ، تستمد مِحْوَرَها من المسيح المصلوب . وكل النظريات المسيحية عن التاريخ ، وعن الكنيسة ، وعن الإيمان ، وعن التطهر ، وعن المستقبل ، وعن الأمل إنما تنبع من " المسيح المصلوب " فيما يقول البروفيسور جوردن مولتمان في كتابه عن " الإله ( ) المصلوب " . ومجمل القول هو أن انتفاء الصلب انتفاء للمسيحية ! وتلك هي تجربتنا نحن المسلمين الذين نعيش ( ) في خضم المسيحية في جنوب إفريقيا ، وتتنافس آلاف الطوائف المسيحية كل طائفة مع الأخرى لتخليص الوثني ( ) من نار جهنم ( عندما يؤمن بصلب المسيح ) . وعلى كل حال ، في خضم هذا المعترك الفكري لن تجد قساً مسيحياً بروتستانتينياً ، أو إنجيلياً ، من أهل البلاد ، أو من خارجها ، لن تجده يحاول أن يُعلِّم مُسلماً شيئاً عن مبادئ الصحة أو النظافة ، لأن لنا – نحن المسلمين- أن ندعي أننا أكثر الناس نظافة ( فيما يتعلق بالنظافة الشخصية ) . وهم لن يحاولوا أن يعلمونا الكرم ، لأننا أكثر الشعوب كرماً ، ولن يحاولوا أن يعلمونا الأخلاق والفضائل لأننا أرقى الشعوب خلقاً ، وأكثر الشعوب فضائل ( في مجمل القول ) فنحن مثلاً لا نشرب الخمر ، ولا نقامر ، ولا نتخاصم ، ولا نرابي ، ولا نرقص . ونحن نصلي خمس مرات في اليوم ، ونصوم شهراً كاملاً طوال شهر رمضان المعظم ويَسُرُّ خواطرنا دائماً أن نكون أناساً مُحِبين للخير . ورغم أوجه النقص ( التي قد تعتري مسلك بعض المسلمين لضعف إيمان أو وهن عزيمة – فإنه يمكن لنا القول بأنه لا توجد جماعة من البشر يمكن أن يزعموا أنهم يستطيعون أن يضيئوا لنا شمعة في مجال الأخوة ، أو التقوى ، أو الورع ، ليس في شموع الدين الإسلامي مثيل لها ) . الدم من أجل الخلاص : يقول لك المبشر المسيحي : " نعم . نعم : ولكن لا خلاص لك لأن الخلاص إنما يتأتى فحسب من خلال دم ربنا يسوع . وكل أعمالك الصالحات إنما هي كثوب رث . ( فلا تغتر بها إذ أنها ليست كافية لخلاصك من العذاب ) ويقول : " لو أنكم أيها المسلمون تقبلون الاعتقاد بأن دم المسيح هو سبيل الخلاص ، ولو اتخذتم يسوع " كمخلص شخصي " فإنكم أيها المسلمون تصبحون كملائكة تمشي على الأرض " . إجابة شافية : ماذا نقول كمسلمين إزاء مثل هذا الإدعاء المسيحي ؟ . ليست هنالك – في نظري – إجابة أكثر إقناعاً من قوله تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) . ( سورة النساء : الآية 157 ) . هل يمكن لأحد أن يكون أكثر وضوحاً وأكثر تأكيداً وأكثر يقيناً وأكثر رفضاً للمساومة تجاه معتقد من معتقدات الإيمان عن هذه الإجابة ؟ الإجابة هي : مستحيل ! إن الله هو وحده العليم القدير البصير مالك الملك . إنه الله سبحانه وتعالى . ويؤمن المسلم أن هذه الإجابة الكاملة إنما هي من الله سبحانه وتعالى . ومن ثم لا يثير سؤالاً ولا يتطلب دليلاً . يقول المسلم : آمنا وصدقنا . ولو كان المسيحيون قد قبلوا بالقرآن الكريم باعتبار أنه وحي الله لما ثارت مشكلة صلب المسيح . إنهم يعترضون بتعصب على تعاليم القرآن ويهاجمون كل شيء إسلامي . إنهم كما يصفهم توماس كارلايل " قد درِّبوا أن يكرهوا محمداً ودينه " . الفصل الثاني هَاتوا شُهَداءكُمْ ترويح البضاعة : في محاولة البرهنة على معتقداتهم الراسخة ، يبتكرون افتراضات مثيرة . والكتاب المعنون بعنوان " صلب المسيح – خدعة أم حقيقة تاريخية ؟ " إنما هو من نماذج هذه المحاولات ، ولا شك أنها محاولة مثيرة لكنها نابعة من أن المبالغة المسيحية تستخدم مفردات مسيحية . ويحاول جارنر تد آرمسترنج ، وهو نائب مدير شركة نشر مجلة " الحقيقة الناصعة ، بلين تروث " وه،ي مجلة مسيحية أمريكية ، تفخر بكونها توزع 6 ملايين نسخة مجانية شهرياً ، يحاول جارنر تد آرمسترنج أن يحل هذا اللغز بأن يتساءل تحت عنوان " هل كانت قيامة المسيح خدعة ؟ " ( ) . وهذه هي الطريقة الأمريكية لبيع معتقدات الدين . وهو يوضح أن افتراضه كما يلي : إن قيامة عيسى المسيح ، إما أن تكون حقيقة تاريخية خالصة ، وإما أن تكون تزييفاً آثماً موجهاً إلى أتباع المسيحية !! . ويقول الشاب الأمريكي الغض الإهاب " بيلى جراهام " إن جوزيف ماكدويل يذهب في كتابه " موضوع قيامة المسيح بعد وفاته " يقول : " كنت مضطراً – بعد قراءة الكتاب المذكور – أن أصل إلى نتيجة ، أن قيامة المسيح عيسى إما أن تكون أكبر خدعة ، وأكثر الخدع ضرراً وشراً ، يدمر الذهن البشري وإما أن تكون أروع وأجمل حقائق التاريخ " وحيث إنه لا يمكن لي مقاومة طريقة الأمريكيين في المبالغة والتهويل ، فإنني لا أجد غضاضة في أن أستعير كلماتهم فأجعل عنوان كتابي : " صلب المسيح هل هو خرافة أم حقيقة تاريخية ؟ أو " صلب المسيح بين الحقيقة والخيال " . اعتراض مسيحي : إن المسيحي يعارض الاعتقاد الإسلامي بأن عيسى المسيح " ما قتلوه وما صلبوه " بقوله: " كيف يتسنى لرجل مثل محمد عليه السلام على مبعدة آلاف الأميال مـن مسرح الحدث ، وبعد 600 عام لوقوع الحدث أن ينفض ليروى عنه ؟ " فيقول المسلم : " إن الكلمات التي قالها محمد صلى الله عليه وسلم ، ليست كلماته كشخص من البشر ، ولكنها كلمات أوحاها إليها العليم البصير " فيدفع المسيحي بأنه ليس مهيأ الذهن ليتقبل الوحي المحمدي خصوصاً في أمر تحسمه في نظره شهادة " شهود العيان " ؟ ( ) الذين رأوا بعيونهم وسمعوا بآذانهم ؟ ما حدث في نهاية الأسبوع منذ ألفي عام . الزعم المسيحي واضح . ومنطقهم فيه لا بأس به . ولنتفحص وجهة نظرهم . فلنستدع شهودهم ، ولنمحص شهادتهم لنكشف الحقيقة أو الزيف في الموضوع من ذات مصادرهم . إنهم يعترفون أن شهود القضية الرئيسيين هم : متى ومرقس ولوقا ويوحنا . أصحاب الأناجيل المنسوبة إليهم . ولكنهم جميعاً قد ماتوا وهم فـي قبورهم . سيقول المسيحيون : " نعم ، هذا صحيح ، ولكننا نملك إفادتهم الخطية المكتوبة " . فلنطلب الدليل : وعندما نواجه – نحن المسلمين – بالادعاءات المعارضة المبالغ فيها من قبل اليهود والمسيحيين فيما يتعلق بدعاوى خلاصهم ، فإن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نطالب بدليل إذ يقول عز من قائل . ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [ سورة البقرة : 111 ] . ولقد جاءوا بدليلهم الوحيد في أكثر من خمسمائة لغة ! وفي إحدى عشرة لهجة للعرب وحدهم . فهل المطلوب منا أن نبتلع طعمهم كله ؟ كلا ! من المعروف سلفاً لدينا ، أن الله سبحانه وتعالى عندما يأمرنا أن نطالب بدليل ، فإن هذا يعني أنه سبحانه يطلب منا أن نمحص هذا الدليل عند تقديمه فوراً . وإلا لما كان لطلب الدليل – أي دليل – معنى عندما نقبل بدليل زائف ! الفصل الثالث إقَامَة مَمْلَكة الله وَقرينَة ثالِثَة في قَوْلهمْ " وفقاً لـ .. " الأمر المذهل فيما يتعلق بشأن تلك الإفادات والشهادات الموثقة ( الكتابات المعزوة إلى متى ومرقس ولوقا ويوحنا ) هو أن أيّاً منها ليست ظاهرة الصدق . ولا تحمل أي واحدة منها أي توقيع أو إمضاء أو علامة لمنشئها في تلك " الأصول " أو النسخ الأصلية المزعومة لها . إنهم الآن يفخرون بأن في حوزتهم أكثر من 500 نسخة أصلية ( مع أنه ) لا تتطابق أو تتماثل منها جميعاً نسختان ( لتزكي إحداهما الأخرى ) . أليس ( ) هذا أمراً محيراً ! ومن الغريب أيضاً أن المسيحيين أنفسهم يمايزون بين أناجيلهم بتدوين عبارة " الإنجيل وفقاً لرواية القديس متى " ، أو " الإنجيل وفقاً لرواية القديس لوقا " … الخ . وعندما يسأل المسيحيون لماذا يتم تكرار تعبير " وفقاً لـ .. " في صدر كل إنجيل ، فإن الرد الفوري هو أنها ليست " أتوجرافية " وإنما يفترض فحسب أنها أُثرت عن أسماء الأشخاص التي تحملها الأناجيل اليوم ، ولقد حذف مترجمو الطبعة العالمية للإنجيل هذه " الوفقاً لـ " بدون أي اكثرات من الأناجيل الأربعة في أحدث ترجمة لها . ومن بين واضعي الإنجيل وياللعجب وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا يمكن القول بأن خمسين بالمئة منهم لم يكونوا من الأثنى عشر حوارياً المعروفين كحواريي عيسى عليه السلام . قضية يتم الفصل فيها لدى أول جلسة : ويمكن أن أقول – بكل تواضع – أن مثل هذه الوثائق التي لا تثبت لتمحيص تُنَحَّى جانباً في أية محكمة في أية دولة متحضرة خلال دقيقتين . وأكثر من ذلك فإن أحد الشهود المزعومين وهو القديس مرقس يخبرنا أنه في أحرج لحظات الموضوع ( أيام صلب المسيح المزعوم ) كان " كل " تلاميذه " قد خذلوه وهربوا " كما جاء بإنجيل مرقس ( 14 : 50 ) وسل صديقك المسيحي هل " كل " تعني " كل " ومهما تكن لغته سيقول لك : " نعم " . لماذا إذن لا يتذكرون هذه الجملة الواردة في الإنجيل بكل لغة كتب بها الإنجيل ؟ وهكذا فإن من يزعمون أنهم كانوا " شهود عيان " للحدث لم يكونوا شهود عيان ، وإلا كان القديس مرقس كاذباً في روايته الإنجيلية . وأيضاً فمن المبنية على مثل هذا الدليل الهش تطرحها المحكمة جانباً مرتين في دقيقتين ، ولكن فكرة مُسلّماَ بها لدى المسيحيين طوال ألفي عام حتى الآن يتمثل فيها خلاص 1200 مليون مسيحي سوف تنهار . ولذا فإن الأمر يحتاج إلى حذر في التعامل معه أكثر وأكثر . وسوف " نفترض " أن شهادة متى ومرقس ولوقا ويوحنا صحيحة . فمن أين نبدأ ؟ نبدأ من بداية مجرى الأحداث ! مطبقين ما جاء في أول سفر التكوين " في البدء … " بالضبط قبل 24 ساعة من تلك " الأحداث المفجعة ، عندما هبت العواصف ، وكسفت الشمس ، ووقع الزلزال ، وانشق الصخر ، وتمزقت ستائر المعبد من أعلاها إلى أسفلها ، وانشقت القبور لتمشي الهياكل العظمية في شوارع أورشليم " كما هو مأثور عن أولئك الشهود المسيحيين . يا له إذن من " سيناريو " يساوي مليون " دولار " ويحطم الرقم القياسي لدى إنتاجه " كفيلم سينمائي " ! ولا ينبغي لنا أن ننسى أن اليهود إنما هم في قفص الاتهام لأنهم متهمون بقتل عيسى المسيح ونحن المسلمون مُكلَّفون بالدفاع عنهم ضد اتهام المسيحيين ، لأن العدالة ينبغي أن تأخذ مجراها . ومهما تكن خطايا اليهود في تحريف كلام الله بالزيادة عليه والنقصان فيه ، فإن الله سبحانه وتعالى قد برأهم من تهمة قتل . المسيح غذ قال عز من قائل : ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) [ سورة النساء : 157 ] . اللعب بورقة توهُّم الصلب : لقد كان العالم المسيحي يضطهد ويطارد ويقتل أبناء عمومتنا اليهود على مدى حوالي ألفي عام ، بسبب جريمة قتل لم يرتكبوها . هل هي شروع في قتل ؟ .. يجوز لكنها ليست جريمة قتل . ويتخليصنا اليهود من جريمة قتل لم يرتكبوها ، فإننا نسحب الهواء من شراع أصحاب الأناجيل . وفي المعركة الدائرة حول قلوب وعقول البشر نجد توهّم الصَّلْب هو الورقة الوحيدة التي يلعب بها المسيحيون . حرِّرْه من هيامه وشغفه بها تكن قد حررت العالم الإسلامي من هوَس العدوان التبشيري . حول المائدة : ليلة العشاء الأخير كان عيسى وحواريُّوه الاثنا عشر يجلسون حول مائدة كبيرة مع مُضيفهم ، تلميذه الأثير ، الذي يتصادف أن اسمه يوحنا . وكانت أسماء يوحنا ويسوع أسماء شائعة بين اليهود ، حوالي عام 30 بعد الميلاد ، كما أن أسماء توم ، ديك ، جون ، جيمس شائعة الآن في القرن العشرين . كان هناك إذن أربعة عشر ( ) رجلاً ، يمكن لك أن تحصيهم حول المائدة . ولم يكونوا ثلاثة عشر رجلاً كما يصر المسيحيون على أنه كان عددهم ، مع أنه رقم شؤم لديهم . المجيء إلى أورشليم : لقد دخل عيسى عليه السلام مدينة أورشليم منتصراً انتصار الملوك وراءه حاشية فرحة متحمسة ، تساورها الآمال العريضة في إقامة " مملكة الله " ، جاء راكباً أتانا ليحقق النبوءة . " قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان .. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق … والأغصان فرشوها على الطريق .. والجموع يصرخون ( أوصنا ) ( ) لابن داود .. مبارك الآتي باسم الرب . " أوصنا " في الأعالي " . ( إنجيل متى 21 : 5 – 9 ) . مملكة السماء : جاء بإنجيل لوقا : " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامى " . ( لوقا 19 : 27 ) ويقول أيضاً " .. مبارك الملك الآتي باسم الرب . سلام في السماء ومَجْدُ في الأعالي " . ( لوقا 19 : 38 ) ويضيف يوحنا إلى ذلك أن الجمع الفرحان صـرح قائلاً : " أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيـل " . ( يوحنا 12 : 13 ) . ويقول أيضاً : " فقال الفريسيون .. انظروا إنكم لا تنفقون شيئاً . وهو ذا العالم قد ذهب وراءه " ( يوحنا 12 : 19 ) . ويقول أيضاً : " الآن دينونة هذا العالم . الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً " . ( يوحنا 14 : 31 ) . " منذا الذي سيقاوم هذا النصر الوشيك الذي يتلاعب كالخمر بالرءوس؟ لا غرو إذن أن يغري ذلك عيسى بأن يطرد أولئك الذين كانوا يبيعون ويشترون داخل المعبد ، وأن يقلب مناضد صيارفة النقـود وأن يطردهم خارجه ضرباً بالسوط كما روى يوحنا " ( يوحنا 2 : 15 ) . ضربة وقائية : كانت الإطاحة بسلطة اليهود على معبدهم حدثا ضخماً ، وكانت الإطاحة بالحكم الروماني لتحل محله مملكة الله أمراً إدّاً فياللأسى ! إن آماله الضخمة لن تتحقق . لقد انتهى العرض نهاية هزيلة ورغم هتافات " أوصنا " وهتافات التحية لابن داود " ملك إسرائيل " كان ذلك الأمل غير ناضج ، يلزم لنضوجه سنوات وسنوات . لم يستطع يسوع أن ينجو من تهديد الفريسيين بالقضاء على تطاول تلاميذه . لقد أخطأ حساب المعركة . ويجب أن يدفع ثمن الفشل . إن أتباعه لم يكونوا مستعدين لأي تضحية رغم كل صياحهم الحماسي . جدل يهودي : احتج زعماء اليهود بأن هذا الرجل بمفرده قد خرب دولة . ولذلك فإنه من الملائم أن يموت رجل واحد من أجل أن تعيش الأمة ( كما جاء بإنجيل يوحنا 11 : 50 ) . ولكن مع كل الصياح الهستيري المحيط به لم يكن من الملائم أن يتم اعتقال يسوع علنا . قرروا اعتقاله سراً ووجدوا في واحد من حوارييه هو يهوذا خائناً مستعداً أن يبيعه لهم في مقابل ثلاثين قطعة نقد فضية . كان يهوذا متذمراً : في نظر رجال الدين المسيحي ، أن الذهب هو الذي أغرى يهوذا لكي يقترف فعلته الوضيعة في الوشاية بيسوع . لكن حساسيته تجاه المال كانت بطبيعة الحال أكبر مما يصورها فيه رجال الدين المسيحي . وهو كمختص بالنواحي المالية للجماعة اليسوعية ، كانت لديه فرص بلا حصر لاختلاس بعض المال باستمرارية منتظمة . فلماذا إذن يجازف بكل هذا من أجل ثلاثين قطعة فضية ؟ وهناك ما هو أكثر من ذلك تلحظه العين . كان يهوذا مستاء من دخول يسوع المظفر إلى أورشليم ، تحيطه الصيحات الملتهبة تهتف حوله : " الآن حانت الساعة والآن يظهر ملك العالم – أنا سوف أحكم فيهم – أحضروهم هنا واسلخوا جلودهم أمامي " . ولقد غدا ليسوع الآن أقدام ثابتة . ولو تم استفزاز يسوع ، فإن رد فعله سيكون عبارة عن معجزات ، وسيجلب النار والحُمم من السماء على أعدائه وبالطبع سيستدعي كوكبة الملائكة ، التي كان يفخر بأنهم تحت تصرفه ليمكنوه وأتباعه من أن يحكموا العالم . ومن اتصاله الوثيق بمعلمه ، كان يهوذا قد عرف أن يسوع كان رقيقا عطوفاً محباً للناس . ولكنه لم يكن مرائياً ممالئاً للناس متملقاً لهم ، لكن يهوذا لم يفهم الضربات القوية الملفوفة بالحرير ، التي كان يجيدها يسوع . ولكن لو عورض يسوع ، وأمكن استفزازه فإنه سوف يأتي بكل ما كان عنده .. وذاك هو ما كان يخطط له يهوذا . وانكشف الخائن : كشفت النظرات القلقة ، وأظهر السلوك المريب يهوذا للمسيح عليه السلام . ولم يكن بحاجة إلى الوحي الإلهي ليعرف الترتيبات الخاطئة بذهن يهوذا . وحول المائدة في الحجرة التي كانت بالطابق العلوي ، حيث يسوع وتلاميذه يتناولون العشاء الأخير لاحق يسوع يهوذا بقوله : " ما أنت تعمله فأعمله بسرعة أكثر " كما ورد بإنجيل يوحنا ( يوحنا 13 : 27 ) وشرع يهوذا يضع اللمسات الأخيرة على طعنته الغادرة في الظهر . الفصل الرابع الاسْتعداد للجهَاد تغيير في السياسة : لن يظل يسوع جالساً كبطة قابعة إزاء الاعتقال في الخفاء الذي كان يعد له اليهود . وها هو ذا يعد تلاميذه لتصفية الحساب التي لا مفر منها . وها هو ذا يثير يحذر غير مثير لمخاوفهم موضوع الدفاع . فيقول لهم : " حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا لا . فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً ! " ( لوقا 22 : 35 – 36 ) . هذا استعداد للجهاد أو الحرب المقدسة يهود ضد يهود . لماذا ؟! لماذا هذا التحول في اتجاه الفكر ؟ أليس هو الذي كان قد نصح لهم من قبل أن " يديروا الخد الآخر " وأن يسامحوا سبعين سبعاً ( 7 × 70 = 490 ) ؟ ألم يكن هو الذي أوصى اثنى عشر حواريا بقوله لهم : " ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب ، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام " كما ورد بإنجيل متى ( متى 10 : 16 ) . هيا إلى السلاح ! .. إلى السلاح ! : إن الموقف والظرف قد تغيَّرا وكما هو الحال بالنسبة لأي قائد مقتدر وحكيم ، فإن " الاستراتيجية " أيضاً يجب أن تتغير ، لم يكونوا قد غادروا الجليل صفر اليدين من السلاح . " فقالوا يا رب هوذا هنا هنا سيفان . فقال لهم يكفي " ( لوقا 22 : 38 ) . ولكي يستنقذ المبشرون صورة يسوع الوديعة المسالمة ، فإنه يصرخون بأن السيوف كانت سيوفاً روحية ! ولو كانت السيوف سيوفاً روحية ، فإن الملابس أيضاً كان ينبغي أن تكون ملابس روحية . ولو كان الحواريون سيبيعون ملابسهم الروحية لكي يشتروا بثمنها سيوفاً روحية ، فإنهم في هذه الحالة يكونون غزاة روحيين ! . وأكثر من هذا فإن الإنسان لا يستطيع أن يقطع آذان الناس الجسمية بسيوف روحية . فلقد جاء بإنجيل متى ما يلي : " وإذا واحدٌ من الذين مع يسوع مَدّ يده واستل سيفـه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطـع أذنه ( ) " ( إنجيل متى 26 : 51 ) . إن الغرض الوحيد للسيوف والبنادق هو أن تصمى وتقتل . ولم يكن الناس يحملون السيوف لنزع قشر التفاح والموز في أيام المسيح عليه السلام . لماذا ( وكيف ) يكفى سيفان ؟ لو كان هذا استعداداً للحرب فلماذا إذن يكون سيفان " كافيين " ؟ السبب في ذلك أن يسوع لم يكن يتوقع معركة مع جنود الحامية الرومانية . وحيث إن صديقه يهوذا كان وثيق الصلة بسلطات المعبد ، فإنه كان يتوقع عملية اعتقال في السر ( بعيداً عن علم الحاكم الروماني ) يقوم بها اليهود ليمسكوا به . وتكون المسألة بذلك مسألة يهود ضد يهود . وفي مثل هذه المعركة مع خدم المعبد من اليهود ومع حثالة المدينة فإن يسوع يمكن أن يسود المعركة منتصراً فيها . وكان على يقين من ذلك . لقد كان معه بطرس المعروف بالصخرة ، ويوحنا وجيمس المعروفان بأبناء الرعد ، مع ثمانية آخرين ، كل منهم مستعد أن يضحي بحريته أو بحياته من أجله . وكانوا جميعاً من بلدة الجليل وكانوا جميعاً معروفين بالبأس والإرهاب ، والقدرة على التمرد ضد الرومان . وهكذا متسلحين بالعصى والحجارة والسيفين وبروح التضحية والفداء التي كانوا قد أظهروها لسيدهم كان يسوع واثقاً من قدرته على أن يلقى إلى الجحيم أي رعاع من اليهود يعترضون سبيله . أسباب التكتيك : كأن يسوع قد جعل من نفسه بذلك مخططاً استراتيجياً بارعاً ، واثقاً من نفسه ، لم يكن ذلك وقت يقبع فيه كالبط مع تلاميذه في تلك الحجرة بالطابق العلوي ! وها هو ذا يقود أتباعه إلى البستان بين أشجار الزيتون في منتصف الليل ، وهو ساحة واسعة محاطة بأسوار على مبعدة خمسة أميال من المدينة . وفي الطريق يبين لهم خطورة الموقف الذي تكتنفه أحقاد واندفاعات تلك الطغمة من يهود المعبد الذي سقطوا . وعليه الآن أن يتحمل نتيجة تضعضع القوى ، وأن يدفع ثمن الإخفاق ! ولسْتَ بحاجة إلى عبقرية عسكرية ، لكي تدرك أن عيسى يوزع قواته كأستاذ في فن التكتيك بطريقة تُذكِّرنا بأي ضابط متخرج في كلية " ساند هيرست " الحربية البريطانية . إنه يعين لثمانية من الأحد عشر حواريا مكانهم في مدخل البستان وهو يقول لهم : " اجلسوا أنتم هنا بينما أذهب أنا لأصلي هناك " . والسؤال الذي يفرض نفسه على أي مفكر هو : لماذا ذهبوا جميعاً إلى ذلك البستان ؟ ألكي يصلوا ؟ ألم يكونوا يستطيعون الصلاة في تلك الحجرة العلوية ؟ ألم يكونوا يستطيعون الذهاب إلى هيكل سليمان ولقد كان على مرمى حجر منهم ، وذلك لو كانت الصلاة هـي هدفهم ؟ كلا ! لقد ذهبوا إلى البستان ليكونوا في موقف أفضل بالنسبة لموضوع الدفاع عن أنفسهم ! ولاحظ أيضاً أن عيسى لم يأخذ الثمانية لكي يصلوا معه . أنه يضعهم بطريقة استراتيجية في مدخل البستان ، مدججين بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح . يقول إنجيل القديس متى : " ثم أخذ معه بطرس وابنى زبدي .. فقال لهم .. امكثوا ههنَّا واسهروا معي " . ( إنجيل متى 26 : 37 – 38 ) إلى أين يأخذ بطرس ويوحنا وجيمس ؟ ليتوغل بهم في الحديقة ! لكي يصلي ؟ كلا لقد وزع ثمانية لدى مداخل البستان ، والآن على أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلحين بالسيفين أن يتربصوا ويراقبوا وليقوموا بالحراسة ! الصورة هكذا مفعمة بالحيوية . إن يسوع لا يدع شيئاً نعمل فيه خيالنا . وها هو ذا وحده بمفرده يصلي ! يسوع يصلي طلباً للنجدة : يقول إنجيل متى : " وابتدأ يحزن ويكتئب . وقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت … " ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه ( بالضبط كما يفعل المسلم عند الصلاة ) وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكـن فلتعبر معي عني هذه الكأس . ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت " . ( إنجيل متى 26 : 37 – 39 ) ويقول إنجيل لوقا : " وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " ( لوقا 22 : 44 ) . المسيح يبكي من أجل شعبه : لماذا كل هذا العويل والتباكي ؟ أيبكي لينجو بنفسه ؟ لوْ صحَّ ذلك ( وهو بالطبع غير صحيح ) لما كان لائقاً به أن يتباكى ! ألم ينصح للآخرين بقوله : " فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك . لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله فـي جهنم " . ( إنجيل متى 5 : 29 - 30 ) . إننا نغمط عيسى عليه السلام حقه لو صدقناه أنه كان يبكي كامرأة لينقذ جسده من عذاب بدني . سيقولون : كان يبكي من أجل شعبه وليس من أجل نفسه . نقول لهم : اليهود ؟ ( كان يبكي من أجلهم ؟ ) إنه لمنطق غريب . ذلك أنهم لو نجحوا في قتل أي مسيح لكان هذا ( إمكان قتله ) دليلاً على أنه دعيُّ دجال . لأن الله العلي القدير لم يكن ليسمح أبداً بقتل المسيح الحق ( ) كما ورد بسفر ( التثنية 18 : 20) ومن هنا ( أي لو صح قتل اليهود للمسيح فعلاً ) لصحَّ إدعاءُ اليهود بأن عيسى بن مريم ليس هو المسيح الذي وعدوا به وهو الرفض الخالد الدائم الذي لا يكفُّون عنه . نسج الخيال : هذه القصة المبكية ، وهذا النواح على الدم المسفوح سيحرك العطف والشجن في أقسى القلوب وأشدها غلظة . والمتعصبون للإنجيل ليسوا غافلين عن إمكان استغلالها . وها هم أولاء يقولون كان مُقدَّرا على يسوع أن يموت من أجل الخلاص من خطايا البشر ( ليمكن للمنتصرين أن يعيشوا في الآخرة وقد طهرتهم سلفا دماء المسيح من خطاياهم ) ولقد كان يسوع في نظرهم مهيأ لهذه التضحية المقدسة قبل بدء الخليقة . وحتى قبل البدء الفعلي المادي للخليقة كان ثمة اتفاق بينه الأب والابن ، وأنه في عام 4000 بعد خلق آدم ، فإن الله نفسه في شخص يسوع كأقنوم كان من أقانيم التثليث المسيحي قدر لنفسه أن يشنق ليخُلِّص الجنس البشري من خطيئته الأولى ( قبل نزول البشر إلى الأرض ) وكذا من خطايا الجنس البشري التي يقترفها أبناؤه بعد نزولهم إلى الأرض . هل كان يسوع غير واع بذلك الاتفاق السماوي ؟ من الدعوة إلى " امتشاق السلاح " بتلك الحجرة العلوية ، إلى الحنكة في توزيع القوات عند البستان ، والصلاة الدامية لله الرحيم طلباً للنجاة ، يبدو أن يسوع لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك الاتفاق السماوي الذي كان يقضي بصلبه . إن هذا التصور ( الذي لا يمكن قبوله ) يذكرنا بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وقد زعم الإنجيل أنه يأخذ ابنه إسماعيل عليه السلام لكي يذبحه ، وهو يعلم أن الله سيفديه بذبح عظيم . مُضَحٍّ على الرغم منه : لو كانت تلك ( بزعمهم ) هي خطة الله في التفكير عن خطايا البشر فإن الله – وحاشا لله – يكون ( وفق زعمهم ) قد تنكب الصواب . إن الممثل الشخصي ( لله ) قد كان حريصاً ألا يموت . يتسلح ! يتباكى ! يعرق ! يجأر بالشكوى . على النقيض من أشخاص مثل القائد الإنجليزي لورد نلسون ، بطل الحرب الذي قال لشبح الموت ( فيما يروى ) : " شكراً لله ، لقد أديت واجبي " . وهنالك في بريطانيا من يهنئون أنفسهم اليوم ( نتيجة شجاعة قائدهم نلسون ) ويقولون : " حمداً لله . لقد نصر الله الملكة ! " لقد كان يسوع – كما يصورونه هم أنفسهم ضحية راغبة عن التضحية . ولو كانت تلك هـي خطة الله أو مشيئته من أجل الخلاص ، فإنها إذن خطة أو مشيئة لا قلب لها ، كانت عملية اغتيال بالدرجة الأولى ولم تكن خلاصاً قائماً على أساس من تضحية تطوعية . ويصور الميجور ( رتبة عسكرية : رائد ) ييتس براون في كتابه " حياة قناص في البنغال " عقيدة الكفارة هذه في جملة واحدة عندما يقول في كتابه ذاك : " ولم تكن قبيلة من تلك القبائل الوثنية لتتفهم مثل هذه الفكرة الهائلة وفيها ما فيها من افتراض أن الإنسان كان قد جاء إلى الوجود ملطخاً بالخطيئة ، وأن هذه اللطخة ( التي لم يكن مسؤولاً عنها ) كانت بحاجة إلى من يُكَفِّر عنها: وأن خالق كل الأشياء كان عليه أن يضحي بابنه المولود من صلبه لكي يلاشي أثر هذه اللعنة الغامضة " . ( فكرة ) جيدة للتصدير : " قبيلة من تلك القبائل الوثنية " على حد قول ذلك البريطاني . لكن معظم أمم الغرب تعيش وتموت على هذه " الفرْية الوهمية " . وهي إن لم تَعُدْ صالحة ملائكة لتتقبَّلَها عقولُهم فهي جيدة للتصدير! وها هم أولاء أكثر من 62000 مبشر ، التبشير شاغلهم اليَوْميُّ الوحيد ( تتمثل فيهم الحملات الصليبية الحديثة ) يثيرون الغبار في كل أنحاء العالم . مقلقين " للوثنيين " كما يدعونهم . وأكثر من 40% من أولئك الذين ولدوا من جديد ( وهي التسمية التي يطلقونها على المبشرين ) إنما هم أمريكيون ! لكن الأمر العجيب في الرواية هو أن يسوع لدى فراغه من أية صلاة ، كان يجد حوارييه وقد أخلدوا للنوم في أماكنهم . وكان يصيح بهم مرة تلو أخرى : " لماذا لا ترقبون معي لساعة واحدة " ( كما جاء بإنجيل متى 26 : 40 ) ثم كان ينصرف مرة ثانية وكان يصلي ويقول نفس الكلمات . وعندما كان يعود كان يجدهم نياماً مرة ثانية كما يحدثنا إنجيل القديس مرقس ( 14 : 39 - 40 ) . لكن القديس مرقس يذهب إلى أن الحواريين لم يستطيعوا أن يقدموا سبباً لتراخيهم وتناومهم . وهو يسجل عليهم أنهم حتى " لم يستطيعوا أن يجيبوه " . لكن أكثرهم دقة ، وهو القديس لوقا يخمن سبباً لهذا التناوم فيقول : " ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن " . جدل غير طبيعي : والقديس لوقا على الرغم من أنه لم يكن من الحواريين الاثني عشر المختارين ، فإنه يتميز بوضوح أكثر لدى المسيحيين . وهو يُعدُّ بينهم الأكثر قدرة على التأريخ ، والمفسر لطبيعة البشر فإن نظريته عن نوم الرجال بتأثير الحزن إنما هي نظرية فريدة . إن البكاء والعويل والدموع والحسرات كانت من الكثرة بالنسبة لتلك المسافة الضئيلة فيما بين أورشليم وبستان جيشمين على شفتى المسيح عليه السلام بحيث توقظ حواس أي شخص غير مخمور . لماذا كانت الظروف المحزنة تسلم الحواريين إلى النوم ؟ هل كان تكوينهم النفسي مختلفاً عن التكوين النفسي لإنسان العصر الحديث ؟ إن أساتذة علم النفس يؤكدون أنه تحت تأثير الخوف والفزع والحزن ، فإن الغدة التي تفرز الأدرينالين وتدفعه إلى مجرى الدم على نحو طبيعي يطارد ويطرد تماماً النوم . أم أنه كان من المحتمل أن الحواريين كانوا قد أكلوا كثيراً وشربوا خموراً فأتخمتهم الأطعمة وأسكرتهم الخمر ، خصوصاً أن الطعام والخمر كانا هما – كما يقول الإنجليز – كل ما في البيت ؟ .. ومن ثم تكون واحدة بواحدة . الفصل الخامس ذَكَاء أم شجَاعة وخطأ ثان في الحساب : أخطأ يسوع في الحساب خطأ مزدوجا :- (1) الاعتداد والاعتماد على الحماس البادي على الحواريين بالحجرة التي بالطابق العلوي ، مما هيأ له الاعتقاد بأن عليه فقط أن يناضل اليهود بنجاح لو حاولوا أن يقبضوا عليه في الخفاء . (2) كان اليهود مكرة خبثاء ، أكثر مما كان يقدر ويحسب . لقد جاءوا في جانبهم بجنود الرومان . ودارسوا اللاهوت المسيحي ليسوا أقل مكراً وخبثاً في تفسيرهم للإنجيل . لقد حوّلوا عبارة " الجند الرومانيون " ببساطة إلى كلمة " الجنود " فقط ثم حرفوا كلمة " الجنود " إلى " مجموعة من الرجال " أو إلى " الحراس " . يقول إنجيل يوحنا " فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين . وجاء إلـى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح " ( يوحنا 18 : 3 ) . القبض عليهم نياماً : تم الإمساك بالحواريين في وضع غير ملائم ، كما يقول الإنجيل أو بالأصح كانوا نائمين . وداس عليهم عدوهم بأحذية ثقيلة . وكان هنالك جندي واحد من جنود يسوع كان من الصحو وتيقظ الذهن ، لدرجة أنه سأل " .. يا رب أنضرب بالسيف " ( لوقا 22 : 49 ) . ولكن قبل أن يتمكن المسيح من محاولة الإجابة كان بطرس قد ضرب بالسيف ليقطع الأذن اليمنى لواحد من الأعداء . لم يكن يسوع قد عمل حساب الجنود الرومان . وإذ تحقق أن منضدة استراتيجيته قد قُلِبَتْ رأساً على عقب ، فإن يسوع ينصح تلاميذه قائلاً : " ... رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون " . ( إنجيل متى 26 : 52 ) . تغيير في الاستراتيجية : ألم يْستَجْل المسيح وجه الحق في قوله السالف عندما كان قد أمر أتباعه أن يبيعوا ملابسهم ويشتروا السيوف ؟ بالتأكيد كان يعرف . لماذا التناقض الآن ؟ ليس هناك تناقض في الحقيقة ! إن الموقف قد تغيَّر فمن اللازم تبعاً لذلك أن تتغير الاستراتيجية . كان لديه من الإدراك ما يكفي لكي يتحقق أنه من الهلاك والانتحار بالنسبة لجنوده الناعسين أن يظهروا مجرد تظاهر بالمقاومة ضد جنود الرومان المسلحين المدرَّبين . … وأمير السلام ؟؟؟ لماذا لا يعطى المسيحيون المولعون بالجدل وثيقة تشريف ولماذا لا يمجدون " ربهم وإلههم " لهذا الفهم البسيط ؟ لأنهم كانوا مبرمجين لمدة تزيد على ألفي عام ، باعتبار أن يسوع في تصورهم إنما هو الحمل الوديع " أمير السلام " لا يمكن ان يؤذي ذبابة . وهم يتغاضون عن ذلك الجانب الآخر من طبيعته التي كانت تطلب الدم والنار ! ينسون أوامره إلى أتباعه أن يحضروا أعداءه الذين لا يقرون حُكمه ، لكي يتم ذبحهم قدَّامه . كما جاء بإنجيل لوقا ( 19 : 27 ) وكما جاء في إنجيل متى إذ يقول : " لا تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض . ما جئت لألقى سلاماً بل سيفا " ( إنجيل متى 10 : 34 ) ويقول في إنجيل لوقا : " جئت لألقى ناراً على الأرض . فماذا أريد لـو اضطرمت – أتظنون أني جئت لأعطى سلاماً على الأرض . كلا أقول لكم بل انقساما " ( لوقا 12 : 49 ، 51 ) . ولو اعتمدنا هذه النصوص الموقرة ، وصدقنا ثوراته على علماء عصره ( من اليهود ) ولو ساد سيف بطرس ، لشهدنا مذبحة دون رحمة مشابهة لتلك التي قام بها سلفه جيهوفا ( يوشع ) الذي دمر تماماً كل ما كان في جريتشو أو كما جاء بسفر يوشع : " وحرموا كل ما في المدينة من رجل أو امرأة ، من طفل أو شيخ ، حتى البقر والغنم والحمير ، بحد السيف " ( سفر يوشع 6 :21 ) ولن يدخر كُتّاب الإنجيل وسعاً في اختلاق الكلمات على شفتيْ يسوع كلمة كلمة لتحقيق النبوءات ( إثر وقوع الأحداث ) كما كان مأثوراً عن " أبيه ؟ " داود . الإخفاق والمحاكمة : أخفقت المسيرة نحو أورشليم ، والاعتصام داخل البستان وَضُح عدم جدواه . وكما أن هنالك ثماراً للانتصار فإنَّ هناك ثمناً يلزم أن يُدْفع عند الاندحار . وكانت العواقب وخيمة ! فكانت المحاكمة ، وكانت المحنة ، وكان الاضطراب ، وكان العرق ، وكان الدم . وسحب الجنود الرومانيون عيسى عليه السلام من بستان جيشِمِين إلى آناس ، ومن آناس إلى كايفاس ، رئيس الكهنة ، ومن ثَمَّ إلى السنهدرين ( مجمع الأحبار ) الذي يباشره أحبار اليهود للمحاكمة وتنفيذ الحكم . بينما كانوا يتداولون يسوع بين أيديهم ويسوقونه نحو مصيره ، أين كان صناديده الأبطال الذين كانوا يدقون بأيديهم على صدورهم قائلين : نحن مستعدون يا سيد أن نموت من أجلك ، ومستعدون أن نذهب إلى السجن فداءً لك " . يقول القديس مرقس وهو من أوائل من دوّنوا الإنجيل ، دون خجل أو وجل يقول : " فتركه الجميع وهربوا " ( مرقس 14: 50 ) . ولم يستطع واضعو 27 إنجيلا تُكوِّن " العهد الجديد " أن يجدوا مثل هذا الغَدْر الجبان في كتاب اليهود المقدس ( التوراة أو العهد القديم ) لكي تتحقق النبوءة ، ولو كان لمثل هذا الغدر نظير لأسرعوا في استغلاله . الإعجاب بالهزيمة : وخلال مناظرة بين الإسلام والمسيحية مُذاعة بالتلفاز ، قال أحد المشتركين الذين يَدّعون أنهم وُلدوا من جديد ( لاشتغالهم بالتبشير ) : إنه يفخر بكلمة " أسلموه " وينطقها حرفاً حرفاً " أ س ل م و ه " مما يعني أنها كانت تعني الفخر والنصر عنده ، ولا تعني مرارة الهزيمة وعارها . أن الحرفيين من أصحاب الإنجيل ، قد ابتدعوا مرضاً جديداً هو الافتتان بالخسَّة والعار . وكُلُّ منهم ، ذكور وإناثاً ، لن تعُوزهم الحيلة كي ينسبوا خطاياهم وآثامهم وفُسوقهم وسُكْرهم وعربدتهم إلى هذا المشجب . ويبدو أن الإنسان يلزمه أن يكون من حثالة البشر ، ليكون عضواً في زمرة الذين ولُدوا من جديد . ( ثم يورد المؤلف ما نشرته جريدة " ديلي نيوز " بتاريخ 25 مارس عام 1975 ، من أن جثة سيدة عجوز تدعى سيكورسكي تغمز بعينها للحانوتي الذي تولَّى تجهيزها للدفن ، بعد صدور شهادة طبية لوفاتها ، مُقَدِّما صـورة فوتوغرافية للموضوع كما نشرته الجريدة المذكورة ) . الفصل السَّادسْ وَقَائِع محاكمَة يَسُوع انصرفوا ساعة الحاجة إليهم : لا يوجد في تاريخ العالم مثل هذا الخُذْلان المتخاذل والخيانة . لقد لقى عيسى عليه السلام استجابة هي أضعف التجاوب من حوارييه . " كان تلاميذه المباشرون لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله . كانوا يريدونه أن ينصِّب نفسه ملكاً لليهود . كانوا يريدونه أن يستنزل النار من السماء . كانوا يريدون أن يجلسوا عن يمينه وعن يساره في ملكوته . كانوا يريدونه أن يُريَهم أباه ، وأن يجعل الله مرئياً لعيونهم المجسمة ، كانوا يريدونه أن يعمل ، وكانوا يريدون هم أنفسهم أن يعملوا أي شيء وكل شيء يتعارض مع خطته الكبرى . تلك كانت الطريقة التي عاملوه بها حتى النهاية . وعندما حلَّت النهاية تركه الجميع وهربوا " . ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل فـي التاريخ كما قال مايكل م . هارت . ولو كان محمد عليه السلام هو أكثر الشخصيات الدينية نجاحاً كما قررت الطبعة 11 من الإنسيكولوبيديا البريطانية . ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم قائد في التاريخ على مَرِّ كل العصور كما يؤكد جولز ماسرمان بمجلة " تايم " . ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم إنسان عاش على وجه الأرض كما أكد لامرتين في كتابه " تاريخ الترك " ، فإنه يمكن أن يزعُم من يشاء أن عيسى عليه السلام كان " أبأس الرسُل حَظّاً " . أساء حواريو المسيح عليه السلام فهمه . وحَرَّف اليهود دائماً ما يَنْطق به . وأتباعه الذين يزعمون أنهم أتباعه أساءوا دائماً تطبيق تعاليمه حتى اليوم . ولو كان يسوع يابانيّاً بَدَلَ أنْ يكون يهودياً ، لكان من المؤكد أن ينتحر بطريقة " الهارى كارى " بدلاً من أن يتحمل زيغ وعدم إخلاص أتباعه . حكم قضائي قبل نظر القضية : إن مصير عيسى عليه السلام قد تم حسمه بالفعل . إن " كايفاس " رئيس الكهنة على رأس السنهدرين ( وهي الهيئة الدينية لأحبار اليهود ) لا يمكن أن يكون له اعتبار بنظر أي محكمة للعدل متحضرة بسبب رأيه المسبق في المتهم . لقد كان بالفعل قد حكم على عيسى بالموْت دون استماع إليه ( وإلى دفاعه ) . كان قد أوصى مجلسه حتى قبْلَ نظرِ القضية بقوله " … ولا تفكرون ( ) أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها " ( يوحنا 11 : 50 ) . وتميَّعتْ قضية يسوع ! لابَحْثَ عن الصواب أو الخطأ ، أوْ عَنْ العدل أو الظلم ، كان الأمر مُبَيّتاً ! وكانت المحاكمة مهزلة . بطريقة أو بأخرى ، كانوا يريدون إدانة يسوع وانتهاء أمْرِه .. وفي منتصف الليل ، لو جاز لنا أن نعتبر الثانية صباحاً في منتصف الليل ، كان اليهود قد جهزوا شهود زور ليشهدوا ضد يسوع . وانعقاد المحكمة بعد منتصف الليل كان ضد معتقدات اليهود . لكن هذا الخروج عن الإجراءات لا يهم ورغم تشجيع وتعاطف المحققين والمحلفين للشهود فإن شهود الزور لم يستطيعوا أن يتفقوا في القرائن والوقائع التي يشهدون بها . كان الموضوع فوق احتمال يسوع . لم يستطع أن يحتفظ بسلامه . كان عليه أن يعترض ويَحْتج . قال في دفاعه عن نفسه : " .. أنا كَلَّمت العالَم علانية . أنا علَّمت كُلَّ حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً . وفي الخفاء لم أتحدث بشيء " ( يوحنا 18 : 20 ) . وفي جوهر أقواله أوضح أنه لم ينشر تعاليم سريَّة ولا عقائد خَفيَّة . لم يُعلِّم شيئاً في الخفاء لم يكن ليعلنه للجميع وهي القضية التي كان يمكن لليهود أن يجمعوا جيشاً من الشهود ليشهدوا ضده . ولكن يا لها من مهزلة ! إن اليهود لم يستطيعوا أن يجدوا اثنين من الشهود تتطابق شهادتهما . كما ورد في إنجيل مرقس ( 14 : 59 ) وكانت حجته قوية ، لدرجة أن ضابطاً متعصباً بلغت به القحة إلى حد أن يضربه في صمت . هل أوهن هذا من عزيمة يسوع ؟ كلا . بدلاً من أن تفل عزيمته توجه إلى متحديه قائلاً : " … إن كنت قد تكلمت رديّاً فاشهد على الردَّىَ وإنْ حسنا فلماذا تضربني " ( يوحنا 18 : 23 ) . كانت الضحيَّة تتفلت من بين أصابعهم . فرصتهم الآن أوْ لا فُرصة لهم على الإطلاق . من الناحية القانونية لم يستطيعوا أن يُجَرِّموه . الاختلاق المباشر كان ضرورياً . يتدخل الكاهن الأكبر في المحاكمة قائلاً " خَبّرنا إذن أأنت المسيح ابن المبارك فقال يسوع أنا هو .. " ( مرقس 14 : 61 – 62 ) ( تقول إنك ) " ابن الله " كفى تجديفاً ( ) . ولم يكن ثمة كُفْر ولا خطيئة في إفادة عيسى عليه السلام البسيطة . إن كلمة " كرايست " هـي الترجمة اليونانية للكلمة العبرية " مسيح " التي تعني الشخص الممسوح بالزيت . وهاهنا ها هي ذي كلمة " كرايست " يتم خلطها بالله ومزجها معه . ويجب أن تفْصِل هذا المعنى ( الذي انساق إليه اليهود أثناء محاكمة يسوع ) عن الإشراك في العقيدة المسيحية فيما يتعلق بالتجسيد ، حيث يتجسد الله في صورة إنسان . إن انتظار اليهود قدوم المسيح ، لم يكن يُوحِّد بين المسيح والله . حقاً إن طبيعة التوحيد اليهودي كانت تتسع لكثير من أسباب الشرك . فتعبير " ابن الله " تعبيرٌ كان جائزاً في الديانة اليهودية . ويبدو أن الله كان عنده أطنان من الأبناء في كتاب اليهود المقدس ولكن لو كان المراد هو البحث في مأزق فلا حاجة إلى الذهاب بعيداً . ستجده عند أقرب حَنْية . كان رئيس الكهنة فرحان تغمره النشوة . شَعَر أنَّ سؤاله المباغت قد فتح الثغرات في دفاع يسوع . ولكي يُضْفي طابعاً مسرحياً على نصره الذي انتزعه من براثن الهزيمة أخذ يشق ثوبه وهو يقول حسب رواية مرقس : " … وما حاجتنا بَعْدُ إلى شهود … فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت " ( مرقس 14 : 63 - 64 ) . مُذنباً أو غير مذ